تحليل خاص | كيف استعادت الأرجنتين بريقها؟

فكرة المنتخب الأرجنتيني كانت لعب الكرات الطَّويلة لمولينا وتاليافيكو، لكن هذه الفكرة لم تنجح في بداية المباراة، لهذا السَّبب اعتمد المنتخب الأرجنتيني منذ

تحليل خاص | كيف استعادت الأرجنتين بريقها؟

(Gettyimages)

الأرجنتين في نهائي مونديال قطر بعد نصف نهائي أمام المنتخب الكرواتي عنوانه "ليونيل ميسي"؛ ميسي ابن الـ35 عامًا، الذي بدأ المباراة مصابًا بخلفيَّته، تمشّى في الملعب، وفي الدَّقيقة 70 قدِّم جهدا بدنيا غير طبيعي أمام لاعب عمره 20 سنة.

التَّساؤل الأوَّل الذي راود مخيِّلة كل من تابع المباراة؛ لماذا يقدِّم ميسي هذا المستوى وهو في سنّ الـ35؟ علمًا أنَّه في بطولات كأس عالم سابقة لم يكن بهذا التَّوهُّج رغم صغر سنُّه آنذاك، وما السِّر وراء العزيمة التي يلعب بها المنتخب الأرجنتيني بشكل عام؟

لهذا التَّساؤل عدَّة أجوبة؛ أوَّلها الثِّقة التي خرج بها الأرجنتينيّون من بيونيس اريس بأنَّهم سيحقِّقون هذه البطولة وخصوصًا أنَّ لديهم لاعب بقيمة وأسطوريَّة ميسي، لديهم مدرِّب على قدر ما من المرونة التَّكتيكيَّة بالإضافة للثِّقة التي اكتسبوها بعد تحقيقهم لقب كوبا أميركا. العامل الثّاني هو عامل الجمهور، حيث أن المنتخب الأرجنتيني لديه أكبر قاعدة جماهيريَّة في هذه البطولة، إذ تشعر أنَّ مباريات المنتخب الأرجنتيني هي بمثابة مباريات بيتيَّة بالنِّسبة لهم. والعامل الأخير هزيمة المنتخب الأرجنتيني أمام المنتخب السُّعودي في المباراة الأولى، فهذه الهزيمة كسرت غرور ميسي والأرجنتين، الأمر الذي أدّى إلى إيمان الأرجنتينيّين بأنَّهم غير معصومين عن الخسارة، خسارة من الممكن أن تكلِّفهم حلم شعب بأكمله، وخصوصًا أنَّ هذه البطولة هي آخر القطرات من موهبة ليونيل ميسي.

تشكيلة المنتخبين

بدأ المنتخب الأرجنتيني المباراة بخطَّة 4-4-2؛ إيمليانو مارتينيز في حراسة المرمى؛ ناهويل مولينا، كريستيان روميرو، نيكولاس أوتامندي ونيكولاس تاليافيكو في خطّ الدِّفاع؛ في الوسط تواجد كلّ من رودريغو دي باول، انزو فيرنانديز ولياندرو باريديس وأليكسيس ماك اليستير خلف المهاجمين ليونيل ميسي وجوليان ألفاريز.

بدأ المنتخب الكرواتي اللِّقاء بخطَّة 4-3-3؛ دومينيك ليفاكوفيتش في حراسة المرمى؛ جوسيب يورانوفيتش، ديان لوفرين، يوشكو جفارديول وبورنا سوسا في خطّ الدِّفاع؛ ثلاثي الوسط لوكا مودريتش، مارسيلو بروزوفيتش وماثيو كوفازيتش؛ وفي الهجوم تواجد كلّ من ماريو بازليتش، أندريك كرامريتش وإيفان بيريسيتش.

تحليل المباراة

المنتخب الكرواتي لم يصل إلى الدَّور نصف النِّهائي إلّا بفوز وحيد على المنتخب الكندي وبدون خسارة، ما معناه أنَّ سرّ قوَّة منتخب كرواتيا في وسط ملعبه، خصوصًا بوجود مودريتش.

مشكلة المنتخب الكرواتي تمثَّلت بتغيير داليتش لأفكاره، حيث أنَّه منذ بداية المباراة وحتّى الدَّقيقة 30 كان المنتخب الكرواتي يضغط عاليًا، بهذا الضَّغط حرم المنتخب الأرجنتيني من الخروج بالكرة بشكل سلس ومريح، وخصوصًا مع بُعد ميسي عن خط وسط المنتخب الأرجنتيني، تزامنًا مع خروج الظَّهيرين يورانوفيتش وسوسا مع الجناحين للهجوم، ما معناه أنَّه بهذه الحالة يجبر المنتخب الأرجنتيني على الدِّفاع بدي باول ومولينا على الجهة اليمنى، وماك الستير ومولينا على الجهة اليسرى، ما معناه خلق زيادة عدديَّة للمنتخب الكرواتي في خط الوسط.

هذه الزِّيادة العدديَّة لم يستفد منها المنتخب الكرواتي، لأنَّه في الوقت الذي كانت تصل به الكرة إلى الثُّلث الأخير من الملعب كانت تُقطَع هذه الكرات، فكان يعاني المنتخب الكرواتي في الثُّلث الهجومي.

فكرة المنتخب الأرجنتيني كانت لعب الكرات الطَّويلة لمولينا وتاليافيكو، لكن هذه الفكرة لم تنجح في بداية المباراة، لهذا السَّبب اعتمد المنتخب الأرجنتيني منذ الدَّقيقة 30 على التَّحوُّل الهجومي السَّريع واستغلال المساحات الكبيرة خلف مدافعي المنتخب الكرواتي بكرات طويلة للعمق باتِّجاه ميسي أو الفاريز، وهذا ما حدث وجاء على إثره ضربة الجزاء التي تحصَّل عليها ألفاريز بعد كرة طويلة في العمق من انزو فيرنانديز بكرة طويلة مستغلًا الثَّغرة في دفاع المنتخب الكرواتي.

بهذه الحالة رهان داليتش كان خاطئا، وبالمقابل رهان سكالوني على استقبال اللَّعب والاعتماد على الكرات الطويلة في العمق قد نجح، مؤكِّدًا ذلك بالهدف الثّاني الذي جاء بنفس الطَّريقة؛ كرة طويلة باتِّجاه ميسي في العمق، منه إلى الفاريز، ليستلم الكرة في منتصف الملعب، مع سوء تغطية من دفاع المنتخب الكرواتي سجِّل الفاريز الهدف الثّاني بعد مجهود رائع، وبخمس دقائق حسم المنتخب الأرجنتيني اللِّقاء.

في الشَّوط الثّاني قام داليتش بإخراج سوسا وبازليتش وإدخال اورسيتش وفلاسيتش، ثمَّ أخرج بروزوفيتش وأدخل مكانه بيتكوفيتش لتتحوَّل الخطَّة إلى 4-4-2.

هذا التَّغيير التَّكتيكي لم يسعف مدرِّب المنتخب الكرواتي، العقم الهجومي والاستحواذ السَّلبي استمرّا من الشَّوط الأوَّل، ليردّ سكالوني بإغلاق شامل لمنطقة الدِّفاع بإدخال مارتينيز بدلًا من باريديس، لتصبح الخطَّة التي يلعب بها 5-3-2.

وأتت الدَّقيقة 70 التي تجلّى فيها ميسي على الرِّواق الأيمن، وبجهد فردي وفنّي أسطوري تلاعب بجفارديول مدافع المنتخب الكرواتي وأحد أفضل المدافعين في البطولة، ومرِّر عرضيَّة لألفاريز الذي سجَّل الهدف الثّالث والأخير في هذا اللِّقاء.

* منظومة كرواتيا الدِّفاعيَّة تكون قويَّة عندما يلعبون بتكتُّل دفاعي بخط دفاع منخفض أو متوسِّط وليس بخط دفاع متقدِّم وضغط عالي.

* استحواذ كرواتي سلبي، تبادل التَّمريرات دون ايجاد حلول هجوميَّة وسط تكتُّل الدِّفاع الأرجنتيني بخط دفاع منخفض، قابله صبر أرجنتيني، احترام الخصم، تسليم الكرة للمنتخب الكرواتي، والتَّحوُّلات السَّريعة من الدِّفاع إلى الهجوم من العمق.

* هذه المباراة هي أفضل مباراة لميسي مع المنتخب الأرجنتيني في مباراة حاسمة على الإطلاق، وأفضل مباراة للمنتخب الأرجنتيني في البطولة حتّى الآن.

* لا بدّ من كلمة إنصاف لسكالوني في هذه البطولة؛ سكالوني، الاسم الذي لن ينساه الأرجنتينيون، وحَّد الفريق، صنع الهدف، رفع الطُّموح، وتصرَّف دومًا لصالح المنتخب.

رجل المباراة

ومن غيره! ليونيل ميسي، تجلّى على أرضيَّة الملعب، فعل ما يريد بالدِّفاع الكرواتي، كان يراوغهم كأنَّه في حصَّة تدريبيَّة، سجَّل هدفًا وصنع اثنين، ميسي أكبر رجال المباراة.

التعليقات